أساليب التفكير في ضوء "نظرية الذات العقلية"

التفكيرُ مَناط الحُكمِ ولزوم المُحاسبة ليس فقط على مستوى الأمور الدينية بل الدنيوية أيضاً من معاملات مالية؛ وتوازنات نفسية؛ ومعالجات تربوية؛ وعلاقات اجتماعية. وهو مكوِّن أساس من مكوِّنات الشخصيّة للفرد يُقاس بجودة حاضره، ويتنبّؤ بمستوى طموحاته، ويُقيّم بمؤشرات اختياراته، ويُفاضَل برجاحات عقله. كما لا يُعقل بأنْ يبقى التفكير حبيس العقل من دون استثمار وتفريغ لطاقاته أو الوعي به لممارسة مختلف نشاطات الحياة وحلّ مشكلاتها المتوقَّعة وتعمير مقدّرات المجتمع وإنماء ثرواته.

ويُعدّ Paul Torrance من أوائل من تطرَّق إلى أسلوب التفكير ومفهومه، وقد أوضح بأنّ لكلّ فردٍ أسلوب خاصّ يفضّله في التفكير، وينحو لاستخدام أحد نصْفَي الدماغ في معالجة المعلومات، وتتمثّل مهمة النصف الأيسر في معالجة المعلومات المتعلِّقة بالمهمّات اللغوية بطريقة منطقية وكليّة، فيما تتعلّق مهمة النصف الأيمن في معالجة المعلومات المتعلِّقة بالإدراك والضبط العضلي بطريقة تحليلية مجزئة.

ومن هنا ظهرت محاولات لتوضيحِ أساليب التفكير وأنماطه في ضوءِ نظريات ونماذج عالمية، وقد عُرِّفتْ بأنَّها الطريقة التي يستقبل بها الفرد المعرفة، والخبرة، والمعلومات، ويُسجّلها ويرمِّزها ويُخزّنها في قالبه المعرفي، وبالتالي يسترجعها متى ما أراد بطريقة في التعبير، إمّا بوسيلة حسيّة ماديّة أو شُبه صوريّة أو رمزيّة.

وتشير أساليب التفكير إلى الأساليب التي يفضِّلها الفرد لتوظيف إمكاناته واكتساب علومه وتنظيم أفكاره والتعبير عنها بما يتلاءم مع المهمات والمواقف التي تعترضه. فأسلوب التفكير أثناء التعامل مع المواقف الاجتماعية وحلّ مشكلاتها يختلف قطعاً عن أسلوب التفكير عند معالجة القضايا العلمية البحتة، الأمر الذي يؤكِّد على أن الفرد قد يستخدم عدة أساليب في التفكيرِ ،وقد تتغير هذه الأساليب مع تراكم الخبرة والتجربة والمعلومات وعامل الوقت.

ويُحدد Robert Sternberg عدداً من المبادئ التي تحكم أساليب التفكير لدى الأفراد، ويقول بأنّه لا يوجد أسلوب تفكير جيّد وآخر سيِّئ، ولكن هناك بعض الأساليب التي تتناسب مع موقف معيّن، ولا تتناسب مع مواقف أخرى، وهي قابلة للتغيير تبعاً لتبايُن مراحل الحياة.

وهناك بعض الرؤى والتفسيرات النظرية لأساليب التفكير والتي تتمايز عن بعضها البعض من حيث عددها وطبيعتها.

أمّا النظرية التي تعتبر الأكثر انتشاراً ودراية وتقبّلاً هـي "نظريـة الذات العقلـية" الذي وضعها Robert Sternberg، إذ في عام (1990) أطلق عليها نظرية أساليب التفكير، وأوضح بأنَّ أساليب التفكير لدى الفرد لها نفـس الميول والمجالات والأشكال والمستويات، واقترح ثلاثة عشر أسلوباً للتفكير ضمَّنها في كتابٍ له بعنوان أساليب التفكير. وتقـوم هـذه النظرية على وجود خمسة أبعاد فيما يتعلق بعلاقة الحكومات أو السلطات بالنسـبة للمجتمعات تتمثل فيما يلي:

·       وظيفةُ السُّلطة، وتشمل أساليب التفكير التالية: الأسلوب التشريعي، الأسلوب التنفيذ، والأسلوب القضائي.

·       أشكالُ السُّلطة، وتشمل أساليب التفكير التالية: الأسلوب الملكي، الأسلوب الهرمي، الأسلوب الأقلي، والأسلوب الفوضوي.

·       مستوياتُ السُّلطة، وتشمل أساليب التفكير التالية: الأسلوب العالمي، والأسلوب المحلي.

·       مدى السُّلطة، وتشمل أساليب التفكير التالية: الأسلوب الداخلي، والأسلوب الخارجي.

·       نزعات السُّلطة، وتشمل أساليب التفكير التالية: الأسلوب التحرري، والأسلوب المحافظ.

ومن خلال جمع من النظريات المتَّصلة بأساليب التفكير يتبيَّن بأنَّ لها خصائص يَتعيَّن فيما يلي سردها، وهي: تفضيلات في استخدام القدرات وليست القدرات نفسها، متغيرات نوعية خلال المهام، تُكتسب من خلال التَّطبيع الاجتماعي، تختلف باختلاف الحياة، يمكن تعليمها وقياسها، لكلِّ موقف أسلوبه المفضَّل للتفكير، التنسيق بين الأساليب والقدرات يؤدى إلى توليفةٍ أكبر مـن مجمـوع، مواقف الحياة تتطلب ملاءمة الأساليب وأيضاً القدرات، الأفراد يكون لديهم بروفايل وكاريزما من الأساليب وليس أسلوباً واحداً فقط، يتّجه الفرد إلى أسلوبِ واحد داخل كل صنف، الأفراد يتمايزون في كل من قوة تفضيلهم للأساليب ومرونتهم الأسلوبية، ويخلط الأفراد ملاءمة الأسلوب بمستويات القدرة.