0097339538807
info@sna.training

صراع القيم

إنشاء بواسطة أسماء الكوهجي في مسؤولية مجتمعية 10/06/2023

"صراع القيم"

 

     ألبير كامو الفيلسوف الجزائري لديه عبارة شهيرة عن القيم قال فيها " ان مهمتي ليست أن اغير العالم فأنا لم أعط من الفضائل ما يسمح لي ببلوغ هذه الغاية ولكني أحاول ان ادافع عن بعض القيم التي بدونها تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها ويصبح الانسان غير جدير بالاحترام "

تعد القيم جزء جوهري من تكوين الانسان، هي التي تشكل دوافعه، أفكاره، سلوكياته وممارساته، ومن أهم مصادر القيم الدين ومبادئه، التربية ونظام التعليم وثقافة المجتمع، مخزون التجارب والخبرات الشخصية، وهذا هو سبب اختلاف القيم من شخص لآخر.

وصراع القيم يعني حالة من التناقض والتعارض التي تنشأ نتيجة لاختلاف القيم لأفراد المجتمع، فينشأ جو من التوتر والتنافر والصراع.

ويؤدي الصراع القيمي إلى تهديد وحدة المجتمع وتضارب الأهداف والرؤى المشتركة، ومن ثم ينعكس هذا الصراع على جوانب الحياة المختلفة، ومنها:

1.    جوانب العلاقات الاجتماعية: بسبب التنوع الثقافي في النسيج الاجتماعي الواحد تتنوع الأعراف الاجتماعية وتختلف قوانين تحديد أدوار الافراد، وتختلف الممارسات الدينية أحيانا، وتتناقض المبادئ في أحيان أخرى، والذي يؤدي الى معضلات أخلاقية ومن ثم وجود صراعات قيمية يصعب التعايش معها في بداية الامر ومع مرور الوقت يؤدي ذلك الى صراعات بين الأجيال المختلفة، فالجيل الأكبر سناً يسعى جاهدا للحفاظ عل القيم التقليدية (الأصلية) ، بينما الجيل الأصغر يجبر على التخلي عن تلك القيم وينصهر في قيم مجتمعه الجديد ويتعايش مع التغييرات القيمية لمجاراة الحياة والظروف الاجتماعية كما ان ذلك يكسبه عادات وممارسات دخيلة لا تمت صلة بالقيم التقليدية.

2.    الجوانب السياسة والاقتصادية: يلعب الجانب السياسي والاقتصادي دورا رئيسيا في تشكيل صراعات القيم، فالفوارق الاجتماعية والاقتصادية، والاحداث التاريخية، وديناميكية السلطة، والأيديولوجية السياسية، كل ذلك يؤدي الى تفاقم الصراعات، فالصراع على السلطة والسعي لهيمنة أحد أطراف المجتمع على الاخر يقود إلى عدم الاستقرار مما يسبب الاضطرابات الاجتماعية، أو شعور أحد طبقات المجتمع بالعزلة والفجوة الثقافية والتعليمية والاقتصادية بين طبقات المجتمع الواحد.

3.    مستوى التوازن بين قيم الفرد والقيم الجماعية: عندما لا يكون هناك حدود واضحة بين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية، وحين تكون القيم الذاتية للأفراد لا تتناغم مع قيم المجتمع ولا تسير في خط موازي لها، يظهر الاختلال في تحقيق أهداف الجماعة وفي عرقلة خطط التنمية والتطوير التي تسعى لها المجتمعات الحديثة، ينشأ صراع قيمي ويخل بتوازن الاستقلال الذاتي للفرد و التناغم بين مكونات المجتمع، و يتمثل ذلك في قضايا جوهرية في المجتمع مثل عملية تناول الحريات الشخصية وتحقيق الصالح العام للمجتمع، قضية حرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية والعدالة الاجتماعية وحقوق الخصوصية.

 

4.    التجانس الثقافي والعولمة: عملية التبادل الثقافي والاندماج والتغير السريع في النسيج الاجتماعي أدت إلى سرعة انتشار قيم ثقافية جديدة لم تكن معهودة من قبل وأدت الى تبدد القيم المحلية الاصيلة، وهذه الحالة من التغيير في القيم أدت الى صدام بين القيم الاصيلة للمجتمع والقيم العالمية الجديدة وخلقت صراع ثقافي وأزمة هوية بين من يسعى للحفاظ على تراث فريد من الاخلاقيات وتبنى فكرة العولمة والتقبل والتغيير.

 

ومن أكثر الأدوات فاعلية للحد من صراع القيم هو سن قوانين وتشريعات عادلة للتعامل مع صراع القيم، وترسيخ القيم الاصيلة والمتحضرة الأكثر فاعلية في تطوير وتقدم المجتمع ومنع وتجريم ما دون ذلك من قيم قد تؤدي الى التراجع والتنازل عن المكتسبات الأخلاقية والحضارية، كما ان إرساء قيم التسامح والتقبل والاحترام المتبادل بين أفراد المجمع الواحد، وهذا التقبل والتسامح لن يتحقق الا من خلال عملية التوعية من خلال مناهج التعليم وعملية البحث والدراسة العميقة في قضايا ومسببات الصراع وتحديد نقاط التوازن والتعايش الممكنة، التي تعمل على تقليص مساحات الصراع، ويمكن للمنظمات والمؤسسات الاهلية المساهمة في عملية تعزيز مفهوم الحوار والتقبل والاحترام والتعايش.

ومن منطلق النظرة الإيجابية للاختلاف فان صراع القيم يحدث نوعا ما من تغيير وتطوير في المجتمع في حال وجد ما يشجع على التحدي للقيم التقليدية التي لا تجدي في العملية الحضارية، فيحدث التحدي تحول إيجابي نحو القيم والأفكار الجديدة التي تتناسب مع تطلعات المجتمع وحاجته للتطور.

ويمكن ان يكون هناك فرصة قيمة لتعزيز التغيير المرغوب فيه، ولكن يجب التنويه بأن إدارة صراع القيم تحتاج حكمة وخلق توازن بين ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع وعملية التطور التي تكون بصورة مستدامة، وان الاختلاف في القيم يحدث في أغلب الأحيان نوعا من التكامل ولكن بشرط عدم التعارض في الجوهر والمضمون.

ختاما، ان الصراع القيمي ظاهرة شديدة التعقيد نتيجة حساسية الامر وله أوجه متعددة، ويتطلب الأمر خطوات جادة وحاسمة تجاهها كي يتحقق التوازن والاستقرار بين مكونات المجتمع، وبالتالي تسير عملية التقدم والتطور بشكل متزن في كل يسر وسلام.

 

 

أسماء حسين الكوهجي

   10 يونيو 2023م

التعليقات (7)

حسن يوسف علاءالدين مستخدم
11/06/2023 | 07:55 pm

احسنتى

زكريا عمورة مستخدم
11/06/2023 | 09:43 pm

بالتوفيق

maria alkooheji
maria alkooheji طالب
11/06/2023 | 10:47 pm

رائع👌

بية باباعمي
بية باباعمي طالب
12/06/2023 | 10:55 pm

جميل،موضوع مهم يستحق التعمق فيه وهذا هو المشكل اذا لم يتم التعامل مع التغيرات التي تؤثر في القيم المجتمعية بشكل عقلاني والتجاوب معها سيساهم في ظهور الصراع القيمي.
شكرا استاذة على المقال

عبدالرحمن الصاوي مستخدم
13/06/2023 | 01:20 pm

احسنتى

نجاة عيسى عبدالله مستخدم
14/06/2023 | 01:12 am

مبدعة كالعادة استاذة 👏👏موضوع رائع

نجاة عيسى عبدالله مستخدم
14/06/2023 | 01:12 am

مبدعة كالعادة استاذة 👏👏موضوع رائع